بعد انضمام بريطانيا لفرنسا وأمريكا في دعم الطرح المغربي.. هل أصبح إبعاد ملف الصحراء عن "اللجنة الرابعة" أقرب للواقع؟
كثيرة هي الأمور التي يمكن استنتاجها من قرار الحكومة البريطانية، دعم مقترح الحكم الذاتي في الصحراء تحت السيادة المغربية، وإعلانها، على لسان وزير خارجيتها، ديفيد لامي، العمل "انسجاما مع هذا الموقف، على المستوى الثنائي والإقليمي والدولي"، إلا أن الأمر الأهم من بينها هو أن المغرب أضحى يتوفر على صوت ثالث قوي في مجلس الأمن يدعم طرحه.
ولا يمكن فصل الإعلان البريطاني، عن موقع المملكة المتحدة، كعضو دائم العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لتصبح بذلك البلد الثالث من أصل 5 دول لديها نفس الصفة، تدعم بشكل واضح وصريح مقترح الحكم الذاتي في المنطقة تحت السيادة المغربية، إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، ما يشي بأن أمرا ما يمكن أن يحدث مستقبلا، بما يُسهم في إنهاء 50 عاما من الانتظار.
الأنظار تتوجه رأسًا إلى مجلس الأمن، باعتباره مكان "الحل والعقد" بالنسبة لقضية الصحراء، وعبرهُ سيكون من الممكن التمهيد لإبعاد الملف عن "اللجنة الرابعة" للجمعية العامة للأمم المتحدة، المسماة "لجنة المسائل السياسية الخاصة وإنهاء الاستعمار"، وهو الأمر الذي في حال ما تم بالفعل، سيعني أن حسم الملف عبر الدوائر الأممية سيكون أسرع وأقل تعقيدا بكثير.
ورغم أن اللجنة الرابعة، تابعة هيكليا للجمعية العامة، ولا يحتاج الأمر من الناحية النظرية لتصويت مجلس الأمن، إلا أن مبادرة هذا الأخير، من خلال القرار السنوي الصادر في أكتوبر، إلى طرح هذا المسار، وتبني ذلك دون أي "فيتو"، سيعني نقل الكرة إلى ملعب أسهل، ستحتاج فيه الرباط والدول الحليفة لها، لجمع الأغلبية البسيطة من الأصوات الصحيحة، بعد مبادرة من دولة عضو في اللجنة، وفق ما يشرح لـ"الصحيفة" مصدر دبلوماسي.
وحسابيا، يُمكن للمغرب وحلفائه جمع أغلبية مريحة داخل الجمعية العامة لاستصدار قرارات تدعم سيادة المملكة على الصحراء، في ظل التوجه الدولي المتنامي نحو مساندة مقترح الحكم الذاتي المغربي، إلا أن ما يحول دون ذلك هو استمرار الملف داخل اللجنة الرابعة دون توصية من مجلس الأمن بإخراجه، وبالتالي الإبقاء عليه ضمن خانة قضايا "تصفية الاستعمار"، التي تصر الجزائر على حصرها فيه، يضيف المصدر نفسه.
الجزائر حاليا، عضو غير دائم العضوية في مجلس الأمن، وكانت قد وضعت، بشكل رسمي، ملف الصحراء، ضمن أولوياتها لفترتها الممتدة لعامين، التي انطلقت مع بداية 2024 وستنتهي مع نهاية 2025، لكنها لم تكن تتوقع أن قائمة الدول دائمة العضوية المساندة علنا للطرح المغربي، سترتفع من دولة واحدة، هي الولايات المتحدة، إلى 3، مع انضمام فرنسا وبريطانيا في أقل عام.
وقد يكون الوقت الحالي هو الأنسب لحسم الملف أمميا، خصوصا داخل مجلس الأمن، فالجزائر أبانت أنها غير قادرة على إحداث أي تغيير ملموس، إذ خلال التصويت على القرار رقم 2756 بتاريخ 31 أكتوبر 2024، اختارت الانسحاب من جلسة التصويت، في خطوة نادرة الحدوث، بعدما لم يتم الأخذ بتعديلاتها، ليتم اعتماد القرار بموافقة 12 صوتا وامتناع اثنين عن التصويت.
المثير للانتباه خلال التصويت على القرارات الدورية لمجلس الأمن، التي أصبحت تحظى بترحاب مغربي في السنوات الماضية، هو أنها تمر بتصويت صيني أيضا، فبيكين اختارت الامتناع لآخر مرة في 2018، قبل أن تنضم لقائمة الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والمملكة المتحدة لـ 6 سنوات متتالية، أما روسيا التي تربطها بالجزائر مصالح اقتصادية وعسكرية كبيرة، فاعتادت على التصويت بالامتناع.
وإذا كان من السابق لأوانه، حاليا، التنبؤ بمسار التصويت في حال ما إذا جرى طرح مسألة إبعاد الملف عن اللجنة الرابعة، فإن قراءة مسار الأحداث حاليا يشي بأن الوقت الحالي هو الأفضل بالنسبة للمغرب، خصوصا بعد تجديد الولايات المتحدة الأمريكية اعترافها بالسيادة المغربية على الصحراء، استنادا إلى المرسوم الرئاسي الذي وقعه الرئيس دونالد ترامب، في دجنبر 2020، أواخر ولايته الأولى.
وبالنسبة لواشنطن، فإن الأمر في حاجة إلى حسم سريع، وهو ما ورد على وزير الخارجية لسان ماركو روبيو خلال لقائه بنظيره المغربي ناصر بوريطة في أبريل الماضي، حيث أورد أن "الرئيس ترامب يحث الطرفين على الدخول في مناقشات دون تأخير، باستخدام مقترح الحكم الذاتي المغربي كإطار وحيد للتفاوض على حل مقبول للطرفين" مشيرا إلى أن الولايات المتحدة "ستُسهِّل إحراز تقدمٍ نحو هذا الهدف".
أما فرنسا، فقبل مرور عام على رسالة الرئيس إيمانويل ماكرون إلى الملك محمد السادس، التي أعلن فيها أن بلاده تعتبر أن "حاضر ومستقبل الصحراء يندرجان ضمن السيادة المغربية"، فقد شرعت عمليا في تنزيل هذا الاعتراف، عبر اعتماد خارجيتها لخريطة كاملة للمملكة، وزيارة مسؤوليها الحكوميين والبرلمانيين إلى مدن المنطقة، وأخيرا توسيع نشاطها القنصلي ليصل إلى مدينة العيون لأول مرة.
وأعطت المملكة المتحدة إشارات سريعة إلى التزامها بالموقف الجديد المعبر عنه في البيان المشترك الموقع بالرباط أول أمس الأحد، فوزير خارجيتها، اليوم الثلاثاء، أعلن الأمر أمام مجلس العموم، موردا "خلال زيارتي للمغرب، أعلنت دعم المملكة المتحدة لمقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب، باعتباره الأساس الأكثر مصداقية وقابلية للتطبيق وبراغماتية لتسوية هذا النزاع، وتابع أنه "مع اقتراب مرور خمسين سنة على هذا النزاع، وبفضل التزام دولي متجدد، تتاح أمامنا فرصة للمضي قدما في هذا الملف".
ويبدو استخدام الصين لحق النقض "الفيتو"، في حال المضي في مسار اقتراح سحب ملف الصحراء من اللجنة الرابعة، أمرا مستبعدا، بسبب حساسية البلاد من النزعات الانفصالية التي تعاني منها في العديد من المناطق، مثل تايوان وهونغ كونغ وماكاو والتبت ومنطقة "شينجيانغ" الأيغورية ذاتية الحكم، ما يُرجح أن يكون تصويتها بالامتناع في أسوأ الأحوال.
وما على الرباط العمل عليه دبلوماسيا هو الموقف الروسي، إذ بالرغم من تنامي مصالح موسكو الاقتصادية مع المغرب في السنوات الأخيرة، فإن حضورها في الجزائر يبقى أكثر ثقلا، نظرا لأن هذه الأخيرة تعتمد عليها بشكل كبير في مجال الواردات الدفاعية أساسا، على الرغم من أن ممثلها في مجلس الأمن، خلال السنوات الماضية، يختار عادة الامتناع عن التصويت دون التصويت بالرفض المسقط تلقائيا لأي قرار.
أما بخصوص باقي الأعضاء العشرة، من الدول غير دائمة العوضية، فإن الأمر يرتبط بهويتها عند عرض القرار على التصويت داخل مجلس الأمن، إلا أن العودة لمسار الملف، خصوصا خلال الأعوام الخمسة الماضية، يرجح بقوة كفة المغرب، وهو ما يتأكد أيضا بالعودة إلى القائمة الحالية، فالدانمارك وسلوفينيا واليونان وكوريا الجنوبية والصومال وباكستان وسيراليون وبنما وغُيانا، كلها إما تدعم بشكل صريح مغربية الصحراء، أو تشيد بمقترح الحكم الذاتي، أو ترحب به.
والمغرب، الذي أعلن رسميا تقديم ترشيحه لعضوية مجلس الأمن عن قارة إفريقيا خلال الولاية القادمة، يبدو "متفائلا"، أكثر من أي وقت مضى، بحسم الملف داخل أروقة مجلس الأمن، في غضون أشهر لا سنوات، ففي حديث لقناة "ميدي 1 تي في" يوم 14 أبريل 2025، أورد أن الولايات المتحدة الأمريكية تحذوها "إرادة واضحة لإنهاء نزاع الصحراء في إطار السيادة المغربية"، معربا عن أمله في أن يحتفل المغرب "مع جيرانه الجزائريين"، بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء في نونبر المقبل بِطَيِّ هذا النزاع بشكل نهائي.




